03 - 06 - 2025

مؤشرات | الضريبة العقارية.. وكيف تتحقق العدالة؟

مؤشرات | الضريبة العقارية.. وكيف تتحقق العدالة؟

الضريبة العقارية هي حديث الساعة، في ظل توجهات الحكومة الرامية إلى زيادة الموارد السيادية، خصوصاً من الضرائب بصفة عامة، ومن هنا جاء مشروع القانون المطروح من جانب الحكومة الذي يستهدف تشجيع الممولين من ملاك العقارات بكل أنواعها على تسجيل ممتلكاتهم العقارية ضمن عمليات الإحصاء التي تتم بشكل دوري.

الخلاف في الرؤية في تفسير الضريبة العقارية يكمن في أن العدالة غائبة فيها، في وقت يكاد هناك تثبيت للضريبة العقارية بين المساكن العادية والشعبية والمتوسطة وفوق المتوسطة، ونظيرتها الفاخرة، والتي تتعدي قيمتها عشرات الملايين بل مئات الملايين.

ونتذكر هناك مشهد الإقبال على شراء وحدات عقارية طرحتها شركة عقارية شهيرة، بمتوسطات أسعار وصلت 100 مليون جنيه للوحدة، منها فلل متوسطة ووحدات، وفلل فاخرة، والطبيعي أنه لا يمكن المساواة بين وحدة ثمنها عدة آلاف، وأخرى تصل قيمتها عشرات الملايين، بل بعضها بالمئات.

الأرقام تشير إلى أن تقديرات قيمة الثروة العقارية في مصر لا يقل عن 10 تريليونات جنيه، ومع ذلك بلغ متوسط إيرادات الضرائب العقارية السنوية 4.31 مليار جنيه مصري فقط خلال العقد الماضي، وفقاً لدراسة، صدرت مؤخرا عن مركز "حلول للسياسات البديلة"، بالجامعة الأمريكية.

وهذا يعني أن متوسط مساهمة إيرادات الضريبة العقارية يمثل 0.46% (أي أقل من نصف في المئة)، من إجمالي الإيرادات الضريبية خلال العقد الماضي، في الوقت الذي تساهم فيه الضرائب بشكل عام أكثر من ثلثي الإيرادات الحكومية.

هناك حقيقة مهمة ترصدها الدراسات، أن الدولة تعاني من ضعف شديد في تحصيل الضرائب العقارية، ومن هناك تسعي الحكومة إلى زيادة إيرادات الضريبة العقارية بنسبة 55% في العام المالي المقبل 2025 – 2026، من ضم 1.5 مليون وحدة سكنية فاخرة إلى القاعدة الضريبية.

إذن فإن العقارات الفاخرة، هي المصدر الرئيسي لزيادة حصيلة الضرائب العقارية، والتي قفزت أعدادها بشكل كبير في السنوات الخمسة الأخيرة، لظهور المدن الجديدة، وخصوصا على امتداد الساحل الشمالي، ومناطق أخرى، في القاهرة، وغيرها من المحافظات.

والملاحظ أن النظام الضريبي العقاري في الدولة، ظل يركز على الفئات الأضعف، بينما الفئات الأعلى امتلاكاُ للعقارات الفاخرة بعيدة، وربما مشمولة بالتهرب الضريبي، ولهذا يرى مركز حلول للسياسات البديلة، أن التركيز على القطاع العقاري الفاخر، بداية لتحقيق العدالة الضريبية العقارية، ولكن يحتاج إلى إصلاحات ضريبية أوسع وأكثر شمولًا، خصوصا أن التوقعات تشير إلى تصل قيمة سوق الوحدات السكنية وحدها إلى 37.36 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، مدفوعة من الأساس بالمشروعات السكنية الفاخرة.

وهناك توقعات تشير إلى فرض الضرائب على العقارات الفاخرة هي خطوة ضرورية نحو نظام ضريبي أكثر تصاعدية وعدالة، إلا أن من وجهة نظر البعض تظل هذه الضرائب غير كافية ما لم يرافقها إصلاحات جوهرية أشمل. فتحقيق العدالة يتطلب من الحكومة، وفق مقترحات مركز حلول للسياسات البديلة، اعتماد هيكل ضريبي تصاعدي حقيقي، وتحديث حدود الإعفاء، وتحسين أساليب تقدير القيم العقارية، بما يضمن توزيع العبء الضريبي بشكل عادل.

ومن وجهة نظري أن يضاف إلى تعظيم ضريبة الثروة خصوصا في جانبها العقاري، وأن يتم الحصر مباشرة في العام الأول من استكمال العقارات الفاخرة، لضمان متابعة الربط في موعده، ومنع وسائل التهرب، خصوصا أن العقارات أصبحت مخزون رئيسي للثروة من جانب شريحة مهمة تمتلك ثروات تبحث عن وسائل لتعظيم ثرواتها، كما من المهم أن تختلف شريحة الضريبة وفقا للنمط العقاري.

ونظراً لأن نسبة مساهمة الضرائب العقارية في إيرادات الضرائب، ضمن إيرادات الضرائب، فإن وجود نظام ضريبي عقاري عادل سيدفع أصحب الثروات الضخمة إلى التوجه نحو استثمار أموالهم في قطاع إنتاجية، بلد من مثل تلك القطاع الخدمية، ولتحقيق عوائد تنمية ذات قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.

ومن المقترحات المهمة، لضمان العدالة في الضريبة العقارية، إمكانية بحث التحصيل بنظام ضريبة القيمة المضافة، ولكن بنسب تصاعدية، ومراعاة حد الإعفاء الذي لم يعد مناسبا في ظل حالة المضاربة على العقارات، والتي تسببت في حالة غير طبيعة وغير مبررة في أسعار العقارات، منذ العمل بالقانون في عام 2013.

والمسألة الأهم أن العدالة الضريبية تتطلب إعادة التوازن الضريبي على العقارات ليتحمل أصحاب الثروات العقارية العبء الرئيسي في التحصيل المستهدف، بدلا من توجيه العبء على الأسر التي تستهدف توفير مسكن مناسب، يختلف من شريحة إلى أخرى، وليس هدفهم مخزون للثروة.

ومن المهم وجود تقدير عادل وموحد للقيم السوقية والإيجارية للعقارات يعكس أسعار السوق بدقة، وهذا ما يتطلب تشريعا يراعي العدالة الاجتماعية، ويفرق بين من يريد مسكنا، ومن يبحث عن استثمار متعدد، خصوصا من أصحاب الثروات العقارية.
------------------------
بقلم: محمود الحضري


مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | الضريبة العقارية.. وكيف تتحقق العدالة؟